مع حلول الذكرى الثانية لعملية «طوفان الأقصى»، صدَر بيان «سرايا القدس» بصياغة تجمع بين الخطب الاحتفالية والقراءات الاستراتيجية. البيان يستهدف أكثر من جمهور واحد؛ فهو موجّه داخلياً لتعزيز الشعور بالتماسك والمقاومة، وخارجياً لإظهار قدرة الفصائل على الصمود وربط خطابها بسردية أوسع عن الاستمرار حتى تحقيق أهداف محددة.
التأكيد على خيار الاستنزاف وأبعاده العملية:
البيان يضع خيار «حرب الاستنزاف» في قلب الاستراتيجية المعلنة، ما يعني استمرار الهجمات والإجراءات العسكرية بأسلوب يهدف إلى استنزاف العدو زمنياً ومواردياً. هذا الخيار يحمل تكلفة إنسانية وسياسية، لكنه يقدّم أيضاً رسالة سياسية واضحة لحلفاء الفصائل الإقليميين والقوى الداعمة بأن المواجهة لم تنتهِ وأن القدرة على التراكم العسكري والسياسي لا تزال حاضرة.
الأسرى كورقة تفاوضية ومحور للشرط السياسي:
أعاد الخطاب تأكيد مطلب أساسي: أن الإفراج عن الأسرى لن يتم إلا عبر صفقة تبادل تُنهي الحرب وتضمن رفع الحصار. تحريك ملف الأسرى بهذه الطريقة يخدم هدفين متوازيين؛ الأول داخلي يتمثل في الحفاظ على شرعية الفصائل أمام قواعدها وشبكاتها الاجتماعية، والثاني خارجي مرتبط بقدرة الفصائل على فرض شروط تفاوضية قد تُستخدم كوسيلة للضغط السياسي والدبلوماسي.
توظيف التحالفات الإقليمية رسالة قوة وشرعية:
التحيّات في البيان لحلفاء إقليميين مثل «حزب الله» و«أنصار الله» وإيران ليست رمزية فحسب، بل تنطوي على رسالة عملية عن عمق شبكة الدعم السياسي والعسكري التي تعتمد عليها الفصائل. هذا الربط الإقليمي يعزز موقف «سرايا القدس» في الداخل ويصعّد پیامها إلى الساحة الإقليمية، لكنه في المقابل يضعها ضمن منطق محاور إقليمية قد تزيد من تعقيد فرص الحلّ السياسي.
مخاطبة الضفة والردّ على المنحنيات السياسية الداخلية:
توجيه الخطاب بتحية خاصة لكتائب الضفة ودعوة لتصعيد الفعل هناك يعبّر عن سعي الفصائل لربط جبهات الصراع الواحدة بالأخرى. هذه الرسالة تُراد منها كسر حصر المواجهة في قطاع واحد وإشاعة منطق المواجهة الشاملة، لكن تنفيذها يضع الضفة أمام مخاطر توترات شعبية وأمنية قد تنعكس سلباً على الوضع المدني والسياسي هناك.
الخطاب الداخلي: تعزيز السردية وتثبيت الشرعية
البيان يسعى إلى تثبيت سردية الانتصار والثبات لدى قواعد الجمهور الفلسطيني والعربي، من خلال التأكيد على تضحيات الشهداء والأسرى و«مآثر» العمليات. هذا الخطاب مهم للحفاظ على الدعم الشعبي، لكنه يواجه اختباراً عمليا مرتبطاً بمدى قدرة الفصائل على تحويل الخطاب إلى مكاسب ملموسة تحسّن حياة المدنيين وتخفف عنهم معاناتهم اليومية.
رهانات ومخاطر المرحلة المقبلة:
الرهان الفصائلي على الاستنزاف والتحالفات الخارجية يحمل مخاطرة تصعيدية واضحة، قد تؤدي إلى مزيد من الدمار المدني وتوسيع رقعة المواجهة. كما أن رهن ملف الأسرى بصفقات يقابله تأخر في تحقيق اختراق سياسي واسع، ما يطرح سؤالاً عن التكلفة السياسية والأخلاقية للاستمرار في منطق المواجهة دون مسار تفاوضي واضح يحقق وقفاً مستداماً للحرب.
خطاب وتوازنات في زمن التحوّلات
بيان «سرايا القدس» في هذه الذكرى ليس مجرد تأبين أو احتفاء، بل وثيقة موقف تؤكّد الاستراتيجية الراهنة للفصائل: استمرار المقاومة، ربط ملف الأسرى بإنهاء الحرب، وتعزيز التحالفات الإقليمية. التحدّي يكمن في كيفية موازنة هذه الاستراتيجية مع الضغوط الإنسانية والسياسية المتزايدة، وإمكانية تحويل الزخم الميداني إلى مكاسب سياسية ودبلوماسية تضمن استقراراً مستقبلياً للفلسطينيين بدل دورة استمرار الصراع.