"غريتا ثونبيرغ" هدف جديد لحرب الروايات الإسرائيلية

2025.10.07 - 02:07
Facebook Share
طباعة

تجاوزت حملة التشويه التي استهدفت الناشطة السويدية غريتا ثونبيرغ حدود الهجوم الشخصي، لتتحول إلى ساحة مواجهة جديدة بين الرواية الإسرائيلية والرأي العام الدولي.
فبعد الإفراج عنها إثر احتجازها ضمن المشاركين في "أسطول الصمود"، وجدت إسرائيل نفسها أمام أزمة علاقات عامة متصاعدة، بعدما تحوّلت ثونبيرغ — رمز النضال السلمي والمناخ العالمي — إلى أيقونة تضامن مع الفلسطينيين ووجه يربك السردية الرسمية لتل أبيب في الغرب.

آلة دعائية تتحرك بعد الإفراج:

مع الساعات الأولى للإفراج عن ثونبيرغ، بدأت حملة رقمية واسعة تقودها حسابات رسمية وإعلامية إسرائيلية ناطقة بالإنجليزية والعبرية، ركزت على إعادة صياغة الحدث من منظور "أمني"، يربط الناشطة السويدية وحلفاءها بـ"حماس" و"أسطول صمود تديره منظمات متطرفة"، في محاولة لتبرير احتجازها والاعتداء عليها.

من رمزية المناخ إلى رمز التضامن:

غريتا، التي اشتهرت بمواجهة قادة العالم دفاعًا عن المناخ، تحوّلت في العامين الأخيرين إلى رمز أممي يتجاوز البيئة ليصل إلى العدالة الإنسانية.
إعلانها دعم الفلسطينيين وانتقادها العلني للعدوان على غزة أعاد تشكيل صورتها في الوعي الغربي، لتصبح صوتًا محرجًا للمؤسسات التي تسكت عن الانتهاكات الإسرائيلية.
لكن هذه المكانة ذاتها جعلتها "خطرًا ناعمًا" على الخطاب الإسرائيلي، فبدأت عملية منظمة لنزع الشرعية عنها عبر اتهامات بالتحريض والتطرف، مصحوبة بتداول مقاطع قديمة أو مجتزأة لإضعاف مصداقيتها.

تضليل رسمي وطمس للانتهاكات:

البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية سعت لاحتواء الغضب الدولي بتأكيد "سلامة المحتجزين"، لكنّها في الوقت نفسه استخدمت خطابًا دعائيًا واضحًا، إذ وصفت جميع المشاركين في الأسطول بأنهم "تابعون لحماس".
في المقابل، كشفت شهادات نشطاء أوروبيين أُفرج عنهم، أن ثونبيرغ تعرضت للإهانة والسحب من شعرها وإجبارها على تقبيل العلم الإسرائيلي أثناء احتجازها.
ورغم نشر حسابات رسمية صورًا تُظهرها في حالة "جيدة"، فإن تحليل منشورات تلك الحسابات أظهر انتقائية واضحة تهدف إلى خلق صورة مغايرة لما وثقته منظمات حقوقية فلسطينية ودولية عن سوء المعاملة في سجن النقب.

الدعاية الرقمية: من التشويه إلى الشيطنة

لم تقتصر الحملة الإسرائيلية على تبييض الصورة الرسمية، بل امتدت إلى مساحات أوسع من الخطاب الغربي اليميني، الذي استغل قضية غريتا لإعادة إنتاج سردية "الإرهاب الإسلامي".
فنشرت حسابات متطرفة في أوروبا مقاطع مزيفة تصفها بأنها "تدير الجهاد الإسلامي في القارة"، فيما روّجت أخرى مزاعم عن "تمويل أسطولها من حماس"، دون أي دليل موثق.
بهذه الطريقة، تحولت ثونبيرغ من وجه إنساني إلى هدفٍ لآلة "شيطنة" رقمية، توظف العداء الثقافي تجاه المسلمين والفلسطينيين لتقويض التضامن الدولي مع غزة.

سخرية رسمية وتوظيف سياسي:

تجاوز الهجوم البعد الرقمي حين دخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الخط، مهاجمًا الناشطة الشابة ووصفها بأنها "صانعة مشاكل تعاني من اضطرابات عصبية"، في إشارة إلى إصابتها باضطراب طيف التوحد.
وبينما رأى مراقبون أن هذه التصريحات تعكس محاولة لتقزيم تأثيرها السياسي، اعتبر آخرون أن السخرية من حالتها الصحية تمثل انحدارًا أخلاقيًا يكشف حجم الإزعاج الذي تسببه مواقفها المناهضة للحرب.
فثونبيرغ باتت تُجسّد، بالنسبة لكثيرين، فكرة المقاومة السلمية في وجه القوة المفرطة والإفلات من العقاب.

معركة السرديات.. بين الصورة والضمير

في جوهرها، تكشف الحملة ضد غريتا ثونبيرغ عن اتساع نطاق "حرب الروايات" بين إسرائيل وحركات التضامن العالمية.
فبينما تسعى تل أبيب إلى إعادة هندسة وعي الجمهور الغربي من خلال أدوات رقمية وإعلامية متطورة، تبرز شخصيات مثل غريتا كأدوات مضادة تُعيد توجيه البوصلة نحو الضمير الإنساني.
ورغم محاولات التشويه، تظل صورة الناشطة السويدية لدى أنصارها رمزًا لصوتٍ عالمي لا يمكن إسكاته بسهولة، حتى وإن أصبحت — مؤقتًا — هدفًا جديدًا في حرب الروايات الإسرائيلية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 7