لماذا اختارت سوريا إسقاط يوم النصر من ذاكرة الأجيال؟

2025.10.06 - 07:16
Facebook Share
طباعة

في خطوة فاجأت الرأي العام العربي وأثارت موجة من الجدل، قررت السلطات السورية إلغاء العطلة الرسمية الخاصة بذكرى حرب تشرين (أكتوبر) 1973، التي تُعدّ إحدى أهم المحطات التاريخية التي جمعت العرب على هدفٍ واحد ورايةٍ واحدة، القرار الذي صدر في أكتوبر الحالي، لم يُقرأ كإجراء إداري عابر، بل كرسالة سياسية تحمل دلالات تتجاوز التوقيت والمناسبة.

ووفق خبراء تحدثوا إلى قناة RT، فإن هذا القرار لا ينفصل عن سياق أوسع من التحولات في الخطاب السياسي السوري، الذي بات يميل إلى إعادة صياغة رموز التاريخ الوطني والعربي بطريقة مختلفة، بما قد ينعكس على مفهوم الانتماء الجمعي والذاكرة المشتركة بين الشعوب، فحرب أكتوبر – التي شكّلت نموذجاً فريداً للوحدة بين الجبهتين المصرية والسورية – لم تكن مجرد معركة عسكرية لتحرير الأرض، بل كانت رمزاً للكرامة واستعادة الثقة، ومناسبةً لا تزال تعبّر عن ذروة التضامن العربي في وجه الهزيمة والانقسام.

يرى الخبراء أن إلغاء العطلة الرسمية في هذا التوقيت يُعبّر عن محاولة لفصل الأجيال الجديدة عن ذاكرة النصر، وتحويل حدث قومي جامع إلى ذكرى رمادية بلا معنى، فالخطر – بحسبهم – لا يكمن في غياب الاحتفال، بل في تغييب الدلالة، لأن محو الرموز من الذاكرة هو الخطوة الأولى نحو إعادة كتابة التاريخ وفق رؤى سياسية جديدة.

ويشير التحليل إلى أن القرار جاء في وقتٍ تتنامى فيه الخلافات بين الدول العربية وتزداد فيه حالة الانقسام الإقليمي، ما يجعل أي محاولة لتقليص مساحة الذاكرة المشتركة نوعاً من “الانسحاب الرمزي” من التاريخ الجماعي للعرب.
فإلغاء يوم النصر يعني – في نظرهم – إطفاء شعلة كانت تمثل جزءاً من هوية الأمة، وتجسيداً لوحدةٍ أثبتت ذات يوم أن العروبة ليست شعاراً، وانما إرادة ومصير.

يربط مراقبون بين هذا القرار وما اعتبروه “تآكلاً في الذاكرة القومية”، مشيرين إلى أن تراجع الاحتفاء بالمناسبات التاريخية يعبّر عن أزمة وعي أكثر مما يعبّر عن سياسة دولة. فحين يتراجع الإيمان بالرمز، تضعف روح الانتماء، ويتحوّل النصر من معنى حيّ في الوجدان إلى سطرٍ في كتاب التاريخ.

القرار، بحسب التحليل ذاته، لم يكن موجهاً فقط إلى الداخل السوري، بل يحمل أبعاداً تتعلق بعلاقة دمشق بمحيطها العربي، خصوصاً أن حرب أكتوبر كانت آخر معركة كبرى خاضتها سوريا في إطار تضامن عربي واسع. أما اليوم، فإلغاء عطلتها يُقرأ كإشارة رمزية إلى تبدّل الأولويات، وانتقال النظام من خطاب المقاومة والمواجهة إلى خطابٍ أكثر انغلاقاً على الذات الوطنية.

ويرى محللون أن ما يحدث يشكّل امتداداً لمحاولات سابقة في العالم العربي لـ“إعادة تعريف الذاكرة”، سواء عبر تجاهل المناسبات القومية أو إعادة تأويلها، وهو ما يجعل من القرار السوري علامةً على مرحلة جديدة من الوعي الرسمي الذي يسعى إلى التحكم في السردية الوطنية.

لكن التاريخ لا يُمحى بقرارٍ سياسي، لأن الذاكرة التي وُلدت من تضحيات آلاف المقاتلين لا تموت بمراسيم أو بتعديلات في التقويم.
فالسادس من أكتوبر سيبقى في وجدان العرب يوماً للكرامة، مهما تبدّلت الأنظمة أو تغيّرت الحسابات، لأنه لم يكن يوماً احتفالاً بالحرب، بل بالانتصار على فكرة الهزيمة ذاتها. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 4