في مشهد يوصف بأنه الأسوأ في التاريخ الحديث من حيث حجم الدمار والكلفة الإنسانية، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة اليوم الاثنين، أن نسبة الدمار الشامل في القطاع بلغت نحو 90% بعد مرور عامين كاملين على الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر 2023.
البيان، الذي نشر في الذكرى الثانية لاندلاع الحرب، كشف أرقامًا صادمة وغير مسبوقة تُظهر أن القطاع الذي كان يضم أكثر من مليوني نسمة قد تحوّل إلى أنقاض تمتد على طول الساحل الفلسطيني المحاصر، فيما باتت الحياة اليومية فيه “أشبه بمعركة بقاء جماعية”.
أرقام مرعبة: 76 ألف قتيل ومفقود و2700 عائلة أُبيدت بالكامل
ووفقًا للتقرير الرسمي، بلغ عدد القتلى والمفقودين معًا 76,639 شخصًا، بينهم 9500 مفقود لم يُعرف مصيرهم حتى الآن تحت الركام أو في المقابر الجماعية. كما بلغ عدد الجرحى والمصابين 169,583 شخصًا، من بينهم 4800 حالة بتر و1200 حالة شلل دائم، وهي أرقام تكشف حجم الكارثة الصحية والإنسانية في ظل انهيار المنظومة الطبية بشكل شبه كامل.
وأوضح المكتب أن 2700 أسرة فلسطينية أُبيدت بالكامل، أي أن لا أحد من أفرادها بقي على قيد الحياة، بينما تم تسجيل أكثر من 12 ألف حالة إجهاض نتيجة سوء التغذية وانعدام الرعاية الطبية، في حين توفي 460 شخصًا بسبب الجوع ونقص الإمدادات الإنسانية، وهي أرقام توثق ما وصفته منظمات حقوقية بأنه “إبادة بطيئة”.
منظومة صحية مدمّرة ومدارس تحولت إلى مقابر جماعية
بيان المكتب الإعلامي الحكومي أكد أن الحرب دمّرت 38 مستشفى كليًا أو جزئيًا، فيما تعطّلت 95% من المدارس نتيجة القصف المتكرر، لتصبح العديد منها ملاجئ للنازحين ثم أهدافًا عسكرية مباشرة.
وقال البيان إن الاحتلال استهدف المستشفيات والمراكز الطبية “بشكل ممنهج”، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي ألقى أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على القطاع خلال العامين الماضيين، ما يعادل عشرات أضعاف القوة التدميرية التي استخدمت في حروب سابقة.
سيطرة إسرائيلية على 80% من القطاع
وأشار البيان إلى أن الجيش الإسرائيلي يسيطر فعليًا على نحو 80% من مساحة قطاع غزة، من بيت حانون شمالًا إلى رفح جنوبًا، معزّزًا وجوده في المناطق الساحلية والمعابر، بينما تبقى بعض الجيوب الداخلية خارج السيطرة الكاملة.
وتشير تقديرات محلية إلى أن الاحتلال يحاول فرض خريطة أمنية جديدة للقطاع، عبر تقسيمه إلى مربعات مغلقة، مع استمرار القصف المتقطع والمداهمات الجوية، ما يجعل أي حديث عن “هدوء” أو “وقف إطلاق نار دائم” بعيدًا عن الواقع.
النكبة الثالثة: انهيار البنية التحتية وموت الخدمات الأساسية
يصف خبراء الأمم المتحدة الوضع في غزة بأنه أسوأ من أعنف الحروب في القرن الحادي والعشرين، حيث دُمّرت البنية التحتية المدنية بالكامل تقريبًا:
أكثر من 70% من شبكات المياه والصرف الصحي خارج الخدمة.
شبكات الكهرباء والاتصالات شبه منعدمة.
أكثر من مليون ونصف نازح يعيشون في العراء أو بين الأنقاض.
85% من المصانع وورش الإنتاج أُبيدت كليًا، ما جعل الاقتصاد المحلي ينهار تمامًا.
وأكدت منظمات إغاثة دولية أن غزة تواجه كارثة إنسانية مركبة تشمل الجوع، العطش، انتشار الأمراض المعدية، وانعدام المأوى، في ظل استمرار الحصار البري والبحري والجوي.
غزة... مدينة بلا ملامح
من صور الأقمار الصناعية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للتدريب والبحوث (UNITAR) يظهر أن مدينة غزة الكبرى فقدت أكثر من 60% من مبانيها السكنية، فيما دُمّرت بالكامل أحياء مثل الشجاعية والزيتون وبيت لاهيا وخان يونس.
وقال أحد المهندسين العاملين في برنامج إعادة الإعمار التابع للأونروا إن “غزة لم تعد مدينة صالحة للعيش. حتى المناطق التي لم تُقصف مباشرة تضررت من انهيار البنية التحتية ومن التلوث والجثث المتحللة تحت الركام”.
أمومة في الجحيم: نساء يلدن على الركام
في واحدة من أكثر النتائج قسوة، كشف المكتب الإعلامي عن تسجيل 12 ألف حالة إجهاض منذ بداية الحرب بسبب الجوع والإرهاق وسوء الرعاية الطبية.
كما تم تسجيل ولادة آلاف الأطفال في ظروف كارثية دون كهرباء أو مياه أو خدمات صحية، في ظل نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.
وأكد البيان أن الاحتلال “يتعمّد حرمان السكان من الغذاء والدواء عبر سياسة التجويع”، مشيرًا إلى أن عددًا من الأطفال الرضّع “يموتون يوميًا بسبب الجفاف وسوء التغذية الحاد”.
الدمار لا يُقاس بالحجر فقط
يرى مراقبون أن ما يجري في غزة تجاوز مفهوم الحرب التقليدية إلى مستوى الإبادة الجماعية البطيئة، مشيرين إلى أن الهدف لم يعد عسكريًا بحتًا بل سياسيًا ديموغرافيًا، إذ تسعى إسرائيل لتفريغ القطاع من سكانه أو دفعهم إلى الهجرة نحو سيناء أو البحر.
ويقول المحلل الفلسطيني رائد الهمص إن “الاحتلال يريد أن يحسم معركة غزة بالزمن، عبر التجويع والدمار الشامل، بعد فشله في القضاء على المقاومة ميدانيًا”، مضيفًا أن “كل بيت مدمر في غزة هو دليل على فشل المشروع الإسرائيلي في كسر إرادة الفلسطينيين”.
غضب شعبي وصمت دولي
ورغم حجم الكارثة، تواصل المجتمع الدولي تجاهل المطالب بإجراء تحقيق دولي شامل في جرائم الحرب، فيما تكتفي بعض الدول الغربية بـ“القلق العميق” و“الدعوات إلى ضبط النفس”.
في المقابل، تتصاعد حملات التضامن الشعبي حول العالم مع غزة، وخاصة في الجامعات الأوروبية والأمريكية، مطالبة بفرض عقوبات على إسرائيل ووقف تصدير السلاح إليها.
وقال المكتب الإعلامي إن “غزة ستبقى شاهدة على العصر، ومقبرة لكل مشاريع التطبيع والاحتلال”.
غزة... جرح مفتوح على ضمير العالم
بعد عامين من الحرب، لم يبقَ في غزة ما يمكن تدميره أكثر، لكنها ما زالت حية رغم الركام.
فمن تحت الأنقاض يخرج الأطفال ليلعبوا بما تبقّى من ألعابهم المحطّمة، وتُقام الأعراس الصغيرة بين الخيام، ويواصل الناس الصلاة وسط الأنقاض، في مشهد من الصمود الإنساني الذي لا يشبهه شيء في العالم.
غزة اليوم ليست مجرد عنوان للدمار، بل شهادة حيّة على فشل القوة في كسر إرادة الشعوب.
وحتى لو بلغت نسبة الدمار 100%، فإن من بقي من سكانها يثبت كل يوم أن ما يُقصف بالحجر لا يُقهر بالبشر.