ولادة سياسية من رماد الصراع.. انتخابات البرلمان السوري شرعية جديدة أم تجميل سياسي؟

2025.10.06 - 05:41
Facebook Share
طباعة

في خطوة وُصفت بأنها منعطف حاسم في تاريخ البلاد السياسي، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في سوريا اليوم الاثنين، صدور النتائج الأولية لانتخابات مجلس الشعب، التي جرت أمس الأحد في أغلب المحافظات السورية، لتكون أول انتخابات برلمانية تُنظم بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.

اللجنة أصدرت القرار رقم 66، الذي تضمّن قوائم الفائزين في الدوائر الانتخابية كافة، وأعلنت في بيان رسمي عن فتح باب الطعون على العملية الانتخابية، سواء ما يتعلّق بـ الدعاية أو الاقتراع أو الفرز، حتى نهاية الدوام الرسمي من اليوم الاثنين 6 أكتوبر.

وقالت اللجنة إنه “يُسمح لكل ذي مصلحة بتقديم طعن على النتائج الأولية للفائزين في دائرته الانتخابية أمام لجنة الطعون الخاصة بالمحافظة المعنية”، في إشارة إلى أن العملية لم تُغلق بعد أمام المراجعة القانونية والسياسية.

الانتخابات الأولى بعد عقدين من الحرب

تأتي هذه الانتخابات وسط ظروف استثنائية تمر بها سوريا بعد عام واحد فقط من سقوط النظام السابق، ووسط محاولات متواصلة لإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس دستورية جديدة.

وتُعدّ هذه المرة الأولى منذ عام 2012 التي تُجرى فيها انتخابات برلمانية بعيدًا عن سيطرة حزب البعث الذي كان يحتكر الحياة السياسية طوال خمسة عقود، ما جعلها الاختبار الحقيقي الأول للمرحلة الانتقالية التي يقودها الرئيس الحالي أحمد الشرع.

الشرع، الذي تولّى السلطة إثر “اتفاق جنيف 3” برعاية الأمم المتحدة نهاية 2024، كان قد تعهّد بإجراء انتخابات “حرة وتعددية”، تُمهد لمرحلة جديدة من الحكم المدني والمؤسسات المنتخبة.

خريطة التصويت: 11 محافظة شاركت و3 خارج العملية

شملت الانتخابات 11 محافظة سورية، بينما استُثنيت محافظات السويداء، الحسكة، والرقة، لأسباب مختلفة:

السويداء شهدت مقاطعة جماعية من قبل القوى المحلية والهيئات الدينية الدرزية، التي اعتبرت أن الظروف الأمنية والسياسية لا تسمح بانتخابات “حقيقية”.

أما الحسكة والرقة، فهما تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي رفضت السماح بإقامة مراكز اقتراع في مناطقها دون اتفاق سياسي مسبق مع دمشق.

ورغم ذلك، أعلنت اللجنة أن نسبة المشاركة تجاوزت 58% في المحافظات التي جرى فيها التصويت، وهي نسبة وُصفت بـ“المقبولة” في ظل الأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة.

النظام الانتخابي الجديد: مزيج من الانتخاب والتعيين

بموجب الدستور المعدّل الذي أُقرّ في مارس 2025، يتكوّن مجلس الشعب الجديد من 210 أعضاء، يتم انتخاب 140 منهم عبر الاقتراع المباشر من قبل اللجان الناخبة في المحافظات، بينما يُعيّن الرئيس الثلث الباقي (70 عضوًا)، بهدف ضمان “التوازن الوطني والكفاءة التقنية” بحسب النص الدستوري.

ويرى مراقبون أن هذا النظام “الهجين” يعكس رغبة السلطة الجديدة في الحفاظ على قدر من السيطرة السياسية داخل المجلس، مع فتح الباب تدريجيًا أمام التعددية الحزبية والمنافسة البرلمانية.

مفاجآت في النتائج الأولية

وبحسب مصادر متقاطعة داخل اللجنة، فإن النتائج الأولية أظهرت تقدّم مرشحي الكتلة الوطنية المستقلة في عدة محافظات رئيسية مثل دمشق، حلب، وحمص، في حين تراجعت حصة الأحزاب التقليدية التي ورثت هياكل حزب البعث المنحلّ.

كما سجلت القوى المدنية الليبرالية والشبابية حضورًا لافتًا في محافظات الساحل، خصوصًا اللاذقية وطرطوس، وهو ما وصفه مراقبون بأنه “تحوّل في المزاج الشعبي” بعد عقود من الاحتكار السياسي والعسكري.

في المقابل، لم يُسجل حضور كبير للفصائل الإسلامية أو العشائرية، نتيجة القيود المفروضة على التمويل الانتخابي والتوازنات الأمنية في بعض المناطق.

طعون مرتقبة وصراعات مقاعد

فتح باب الطعون حتى مساء اليوم يفتح الباب أمام موجة من الشكاوى الانتخابية، خاصة في المناطق التي شهدت منافسة حادة بين المستقلين والقوى الحزبية القديمة.
مصادر مطلعة أشارت إلى أن محافظتي حلب وحماة تشهدان جدلًا حول نتائج بعض الدوائر، وسط اتهامات بالتأثير على الفرز أو شراء الأصوات.

ويتوقع أن تُبتّ لجان الطعون في النتائج النهائية خلال أسبوع واحد، على أن تُعلن القائمة النهائية للنواب في 14 أكتوبر الجاري.

إشراف دولي محدود ومراقبة إقليمية

على الرغم من أن العملية الانتخابية جرت تحت إشراف اللجنة العليا السورية، إلا أن مراقبين من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية شاركوا بصفة رمزية، ورفعوا تقارير أولية وصفت العملية بأنها “منظمة إلى حدّ كبير رغم بعض الملاحظات الفنية”.

أما الاتحاد الأوروبي فقد أصدر بيانًا مقتضبًا قال فيه إن “الانتخابات تمثّل خطوة مهمة نحو الانتقال السياسي المنصوص عليه في القرار الأممي 2254”، لكنه شدد على “ضرورة ضمان الشفافية الكاملة ومشاركة جميع السوريين دون إقصاء”.

رسائل الشرع: نحو “سوريا المؤسسات”

في أول تعليق له بعد إعلان النتائج الأولية، قال الرئيس أحمد الشرع إن الانتخابات هي خطوة أولى في بناء “سوريا المؤسسات”، مشيرًا إلى أن المجلس المقبل “سيكون صوت المواطن السوري في مرحلة إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية”.

وأكد الشرع أن حكومته “ستتعامل مع البرلمان الجديد كشريك لا كواجهة”، مضيفًا أن المرحلة القادمة “ستشهد إصلاحات اقتصادية واسعة ومراجعة شاملة لقوانين الإدارة المحلية”.

ردود الفعل الشعبية والدولية

الشارع السوري استقبل النتائج بمزيج من الأمل والحذر، إذ يرى البعض أن الانتخابات “فتحت كوة صغيرة في جدار الصمت الطويل”، بينما يعتبر آخرون أن التغيير الحقيقي “لن يتحقق إلا بعد محاسبة رموز النظام السابق وإطلاق المعتقلين السياسيين”.

في المقابل، رحبت روسيا وإيران بالعملية الانتخابية واعتبرتاها “تأكيدًا على استقرار مؤسسات الدولة السورية”، بينما تريثت واشنطن وباريس في التعليق بانتظار تقييم تقارير المراقبين الدوليين.

برلمان ما بعد الحرب... شرعية جديدة أم تجميل سياسي؟

يرى محللون أن نتائج هذه الانتخابات ستُحدد إلى حد بعيد طبيعة التحالفات داخل البرلمان المقبل، وما إذا كان سيشكل قاعدة حقيقية لتوازن القوى في البلاد، أم سيظل خاضعًا لتوجيهات الرئاسة.

ويرى آخرون أن الشرع يسعى إلى إنتاج شرعية دستورية بديلة تُكمل شرعية “الإنقاذ من النظام السابق”، في محاولة لترسيخ حكمه وتجنب تكرار تجربة الاستبداد السابقة.

ومع ذلك، فإن غياب مناطق واسعة عن العملية الانتخابية، واستمرار النفوذ الأجنبي في أجزاء من البلاد، يجعل من المبكر الحديث عن “ديمقراطية سورية مكتملة”.

ولادة سياسية من رماد الصراع

بهذا الإعلان الرسمي، تدخل سوريا مرحلة سياسية جديدة، عنوانها برلمان منتخب في دولة خرجت من حربٍ دامت أكثر من 13 عامًا.
لكن ما إذا كان هذا المجلس سيكون منبرًا حقيقيًا للشعب أم مجرد واجهة انتقالية، سيعتمد على قدرته على مواجهة التحديات المقبلة — من إعادة الإعمار، إلى المصالحة، إلى ترميم الثقة بين المواطن والدولة.

فبعد عقدٍ من الدم والدمار، تبدو سوريا اليوم على مفترق طرق تاريخي: إما أن تمضي نحو دولة مؤسسات حقيقية، أو تعود إلى دوامة السلطة المطلقة التي أسقطها الشارع قبل عام. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 4